03 سبتمبر 2019

«الكيتو دايت».. الصواب والخطأ!

Image may contain: 1 person, eyeglasses, closeup and outdoor

د. أسامة حمدي – كلية الطب جامعة هارفارد

لم أكن أعرف أن مقالي الافتتاحي في جريدة “النيويورك تايمز” في ١١ سبتمبر ٢٠١٦ سيثير كل هذه الزوبعة عالميًا. فعنوان المقال كان “علاج قديم وأفضل للسكر”، نشرته الجريدة أيضًا أون لاين تحت عنوان “قبل أن تدفع ٢٦ ألف دولار لجراحات التخسيس افعل ذلك!”، والمقال يتحدث عن استخدام نظام غذائي قليل النشويات للقضاء على مرض السكر من النوع الثاني، ويقلل الحاجة للعلاج الدوائي ويخفض الوزن بصورة قد توازي عمليات التخسيس.

حظى المقال على اهتمام بالغ من قراء الجريدة الأكثر انتشارًا في العالم، لدرجة أن المقال حصل على لقب أكثر مقالات الجريدة تدوالًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني في هذا اليوم وفاق في انتشاره -لدهشتي- تغطية الانتخابات الأمريكية التي كانت حامية الوطيس وقتها بين ترامب وكلينتون..

وتبعته الجريدة بحوار طويل بين جميع المنظمات الخاصة بالسكر والتغذية وجراحات التخسيس بين مؤيد ومعارض لمقالي، الذي أثار زوبعة ضخمة لم تهدأ، وأرسل آلاف الأطباء للجريدة تأييدًا لمقالي، وأرسلت العديد من شركات الدواء احتجاجًا عليه! ومنذ هذا التاريخ لم تخل محاضرة لي في داخل أو خارج أمريكا من سؤالي عن “الكيتو دايت”!

فما هي حقيقة نظام النشويات القليلة جدًا Very Low Carbohydrates Diet أو ما عرف باسم Ketogenic Diet أو الكيتو دايت اختصارًا؟

ولنعرف أصل الموضوع علينا أن نعرف أن علم التغذية الطبية كان متقدمًا بدرجة مذهلة قبل اختراع الأنسولين في ١٩٢٢، فمثلًا كتاب “فريدرك ألن” عام ١٩١٩ عن التغذية لمريض السكر موسوعة ضخمة من ٧٨٠ صفحة!

وكانت طريقة “ألن” و”إليوت جوزلين” مؤسس مركز جوزلين العالمي والذي أعمل به في جامعة هارفارد تعتمد في علاج السكر على تقدير كمية النشويات التي يحتاجها الجسم بدقة شديدة، عن طريق اختبار يسمى “قُدرة الجسم على تحمل النشويات” carbohydrates tolerance test وفيه يتم إدخال المريض بالسكر للمستشفى، ويعطى كميات متدرجة من النشويات يومًا بعد يوم، من الصفر في اليوم الأول وحتى ٢٥٠ جراما (أي ألف سعر حراري) في اليوم العشرين، مع إجراء مجموعة من القياسات المعقدة كل يوم، لاكتشاف كمية النشويات الآمنة التي إذا زاد المعدل عنها في هذا الشخص تتغير المؤشرات الحيوية للجسم إلى الأسوأ، ويرتفع السكر في الدم ويظهر في البول.

وكانت النصيحة للمريض بعد هذا الإختبار الدقيق هي أن لا تتخطى هذا الحد من النشويات الذي اكتشفه الاختبار تحت أي ظرف، وهى كمية مختلفة كما أردفت وتتفاوت من شخص لآخر حسب قدرة الجسم على تحمل النشويات بلا مشكلات، فتعريفهم لمرض السكر وقتها كان أنه “مرض ينشأ من اختلال قدرة الجسم على تحمل النشويات”..

وهو توصيف أكثر دقة من تعريفنا اليوم. ورغم نجاحهم الكبير في الإبقاء على حياة مريض السكر لسنوات عدة إلا أن انخفاض الوزن كان شديدًا، وخاصة ضمور العضلات، وظهور الكيتونات في البول نتيجة لتكسير الدهون المستمر للحصول على السكر.

ولكن استطاع العالم “لوي نيوبرج” تطوير هذا النظام الغذائي لعلاج السكر ومنع مضاعفاته في سنة ١٩٢٠، وذلك بإضافة كمية من البروتينات للأكل قوامها ٠،٦٥ جرام لكل كيلو جرام من وزن الجسم، لمنع ضمور وتكسير العضلات. ولتعويض باقي السعرات كان نظامه ينصح المريض بتناول الدهون لتكملة مجموع السعرات في اليوم إلى ١٤٠٠-٢٥٠٠ سعر حراري.

فمن يريد خفض الوزن يختار الحد الأدنى من السعرات ومن يريد زيادة الوزن يقصد الحد الأعلى للسعرات. وأطلق “نيوبرج” اسم “ميتشجن دايت” على هذه التوليفة الغذائية الدقيقة، والتي تحافظ على مستوى السكر في الدم بدون ارتفاع وبدون علاج، وتحافظ على وزن الجسم دون ضمور في العضلات، ودون زيادة كبيرة في نسبة الأحماض الكيتونية في البول.

كان نجاح “ميتشجن دايت” في علاج السكر مذهلًا حتى بعد بدء استخدام الأنسولين في العلاج، فقد انخفضت الوفيات من مرض السكر إلى أقل من ٥٪؜ وكانت وقتها تزيد عن ٢٥٪؜ في السنوات الخمس الأولى للمرض لعدم وجود علاج له.

واستمر هذا العلم الغذائي الرائع في علاج مرض السكر حتى عام ١٩٣٦ عندما أصبح العلاج بالأنسولين واسع الانتشار وأصبح خفض النشويات لا مبرر له، فالأنسولين الخارجي يحد من ارتفاع السكر حتى مع أكل النشويات.

ورغم التحرر في استخدام النشويات بأكثر من نظام “ميتشجن” في الأربعينيات من القرن الماضي إلا أنه أصبح من الواضح أنه يستحيل ضبط مستوى السكر في الدم عند مرضى السكر إذا زادت كمية النشويات عن ٤٠٪؜ من مجموع السعرات الحرارية اليومية.

وفي عام ١٩٧٧ تم المطالبة بخفض الدهون لاحتمال لرتباطها بجلطات القلب والدماغ ونُصِح الناس بزيادة النشويات إلى ٥٠-٦٠٪؜ من السعرات الحرارية اليومية، كما هو الحال الآن مما نتج عنه زيادة كبيرة في نسبة المرضى بالسمنة وأصبح ضبط نسبة السكر في الدم لمرضى السكر من الصعوبة بحال.

ولقد اعترض وقتها الكثير من الأطباء على ذلك التحرر في أكل النشويات التي هي أساس المشكلة، ومنهم ممارس عام اسمه “أتكنز” وكان محدود الخبرة في علم التغذية، وفهمه للأسس العلمية لـ”ميتشجن دايت” محدود فقد نصح مرضاه بخفض النشويات للجميع دون تفرقة إلى ٢٠-٣٠ جراما، فلم يكن متاحًا له ولغيره في السبعينيات معرفة أو فهم اختبار احتمال الجسم للنشويات كما فعل الرعيل الأول..

بعد مرور نصف قرن من الزمان ضاع فيه هذا العلم المبهر وبقيت قشوره. كذلك نصح “أتكنز” قُرَّاءَه بتناول الدهون بأى كمية دون الاعتبار لمصدرها! والنتيجة هو انخفاض سريع في الوزن لأن الجسم يصبح مجبرًا على حرق الدهون والعضلات للحصول على السكر، وكما ذكرت فإن حرق الدهون ينتج عنه الأحماض الكيتونية التي ترفع من حموضة الدم وقد تشكل في بعض الحالات خطرًا على بعض الأشخاص.

حاول مؤخرًا العديد من زملائي من خبراء التغذية الطبية تقليل الضرر بالتوصل إلى توازن في إنتاج الأحماض الكيتونية، عن طريق قياسها المتكرر في البول والدم أثناء خفض النشويات حتى لا تزيد عن الحد الآمن.

وحقيقة الأمر أن الجسم يتخلص بسرعة من كميات كبيرة من الماء من الخلايا فيعطى إنطباعًا سريعًا بخفض الوزن، ولكن فقد الدهون وهو حقيقي فعلًا يكون مصحوبًا بفقد كمية كبيرة أيضا من العضلات، وهو ما لا يمكن تعويضه بسهولة، لأن تكوين العضلات يحتاج لكمية عالية من البروتينات، ويحتاج لكفاءة عمل عدة هرمونات عادة ما تتناقص مع تقدم العمر، كهرمون النمو، وهرمون الأنسولين، والهرمونات الجنسية كالتيستورون في الذكور والأستروجين في النساء.

إذا ما هى مزايا وأضرار “الكيتو دايت” في صورته الحالية من خفض النشويات حتى ٢٠-٣٠ جراما مع الاعتماد على أكل الدهون بلا تفرقة وكيف يمكن تطبيقه بأمان لتحصل على الفائدة منه دون حدوث الضرر.

أولا المزايا:
– خفض سريع للوزن
– انخفاض في نسبة وكمية الدهون بالجسم
– انخفاض نسبة السكر للمعدلات الطبيعية لمرضى السكر
– خفض جرعات أدوية السكر بما فيها الأنسولين وربما توقفها تمامًا عند مرضى السكر من النوع الثاني

ثانيا العيوب:
– انخفاض حجم العضلات نتيجة لحرق البروتينات للحصول على السكر
– ارتفاع نسبة حموضة الدم في الحالات الشديدة مما قد يشكل خطورة عند بعض المرضى خاصة مرضى القلب وحصى الكلى ومرضى الكبد والكلى
– رائحة الفم الكريهة
– الصداع في أسابيعه الأولى

– الإمساك الشديد الذي ربما يحتاج لعلاج
– تحديد كمية الرياضة حتى لا ترتفع الأحماض الكيتونية عن الحد الآمن
– عدم القدرة على الاستمرار عليه لفترات طويلة
– عودة الجسم بسرعة للوزن السابق عند التوقف عنه

أخطاء البرنامج الحالي كانت:
– تحديد كمية النشويات إلى ٢٠-٣٠ جراما فقط دون الاعتبار لنوعية النشويات
– تناول الدهون بأى كمية دون الاعتبار لنوعيتها
– الاعتقاد الخاطئ بضرورة استمرار إنتاج الأحماض الكيتونية عند مستوى محدد للحصول على أفضل النتائج
– عدم اللجوء لزيادة البروتينات اعتقادًا بضررها على الكلى.

والآن كيف يمكن ممارسة نظام خفض النشويات بأمان لخفض الوزن ونسبة السكر في الدم:

– أولًا النشويات المفروض خفضها هي النشويات من السكر، ومنتجات دقيق القمح كالخبز والمعجنات والمخبوزات، والنشويات المحتوية على كمية كبيرة من النشا مثل الأرز والبطاطس والذرة والموز، أما باقي النشويات من الخضراوات بجميع أنواعها طازة أو مطبوخة والبقوليات كالفول والحبوب والفاكهة باعتدال شديد وجميع منتجات الالبان والجبن فلا مانع منهم حتى لو زادت كمية النشويات.

والأفضل هو خفض النشويات قدر الإمكان ولكن إلى حدود الكمية التي يستطيع الشخص الاستمرار عليها لفترات طويلة دون توقف منعًا للانتكاس.

– دهون منتجات الألبان والجبن والقشدة والسمن البلدي والبيض والمكسرات لا ضرر منها ولكن دهون اللحوم الحمراء وخاصة منتجات اللحوم كاللانشون والهوت دوجز والبلوبيف، وكذلك السمن الصناعى والزيوت المهدرجة في منتهى الخطورة، وتزيد من معدل الإصابة بتصلب الشرايين وجلطات القلب وتناولها بلا ضابط يعتبر خطأً علميًا فادحًا.

– يجب زيادة البروتينات وممارسة رياضة بناء العضلات وأفضل البروتينات هي من الأسماك والمصادر النباتية كالفول والعدس وكذلك من الدجاج والرومي والبيض وحتى اللحم الأحمر بلا دهون.

وزيادة البروتينات أفضل بكثير من زيادة الدهون لأنها أقل في السعرات الحرارية، ولأنها تنبه إفراز هرمونات الشبع من الجهاز الهضمي، ومنها هرمونات GLP-1، PYY، Amylin

– مهم جدا شرب الماء بكثرة لتعويض اختلال توزيع الماء بالجسم وفقده عن طريق البول
– يجب التوقف عن البرنامج في حالة حدوث غثيان شديد أو قيء أو وهن شديد أو إمساك حاد أو صداع شديد، ويجب تناول كمية معقولة من النشويات.

إذا طبق النظام كذلك مع استمرار قياس نسبة السكر بالدم خاصة عند مرضى السكر، وقياس نسبة الكيتونات في الدم أو البول على فترات قريبة، مع ممارسة الرياضة كما ذكرت في مقال سابق تحصل على أفضل النتائج.

ومن المهم التأكيد على مرضى السكر من النوع الأول على ضرورة عدم وقف الأنسولين أو نسيان أخذه.

وأخيرا أتمنى أن أكون قد أوضحت الأمور لمن يبغَى استخدام هذا النظام لخفض الوزن وضبط معدل السكر.. وأتمنى لكم خفضًا آمنا للوزن وصحة وسعادة!

د. أسامة حمدي
كلية الطب جامعة هارفارد
https://www.vetogate.com/3448187
https://www.vetogate.net/3448189