كان سميناً جداً لدرجة أنه لا يقدر أن يرتدي جواربه بمفرده، حياته تتلخص في كلمتين ؛أكل ونوم، يفعلهما دون ارادة منه فقد اجبره جسمه ان يعيش في هذه الدائرة المغلقة منذ سنين طويلة، بدأ الأمر تدريجياً و ببطء شديد ككل الأشياء السيئة، لم يلاحظ زيادة وزنه حتي ظهرت عليه اعراض السكر، الضغط، كرشة النفس.
نصحه الأطباء مراراً بنقصان الوزن، حاول كثيراً لكن الجوع كان دوماً له الغلبة ، ما إن يبدأ في الدايت حتي ينشغل عقله و كل جوارحه بالطعام، يقاوم فيتأثر مزاجه، ثم ينتهي الصراع في محل حلويات أو مطعم مأكولات أو أي في مطبخ منزله، يأكل ثم يأكل ويلعن الجوع والدايت وكل الأطباء في آن واحد.
حاول ان يبدأ رياضة من منطلق نصف العمي أفضل من العمي كله، لكن آلام المفاصل أرقدته كسيحاً في المنزل بعد محاولة واحدة للمشي علي السير الرياضي، علي أثرها تبرع بملابسه الرياضة (التريننج) لصاحب صالة الجيم .
لا يدري فرغلي ما الذي دفعه أن ينظر أعلي الصندرة ذلك اليوم، أثناء رحلته من إلي غرفة نومه عائداً من الحمام، نعم يطلق عليها رحلة لما يتكبد فيها من مشقة و يبذل فيها من جهد .
فرغلي له رحلات كثيرة و متعددة يومياً من وإلي غرفة النوم، تارة تكون وجهته إلي الحمام وأخري تكون إلي المطبخ. يرتاح في الطريق لالتقاط أنفاسه، ينظر إلى السقف، يتأمل جدران المنزل، الخالي إلا من أنفاسه المتلاحقة نهاراً و شخيره ليلاً.
عادة لا يخرج خارج هذا المنزل إلا للشديد القوي، إما لاحضار الطعام من الشارع الذي لا يستطيع احضاره ( دليفري) أو الذهاب لمكينة الصراف القابعة في تقاطع قريب منه .
لفت نظره الكراكيب المتراكمة فوق الصندرة، كانت متربة و قديمة، عشوائية كحياة رجل أربعيني سمين و وحيد ، رفضته كل النساء و تخلي عنه كل الأصدقاء.
تحوي الكثيراً من ذكرياته التي بمجرد رؤيتها بدأت تتزاحم الحكايات في عقله.
فهذا الكرسي القديم الذي يحبه، الذي لم يتحمله حينما هبط بمؤخرته السمينة فجأة عليه ذات مرة ، تفتت كحبة بندق ساقها القدر التعس ان توضع في كسارة، و هذه قصاصات الورق التي تحوي بقايا خطابات غرامية لزميلة دراسة في فترة الجامعة ، وقتها كانت لديه رغبة في العيش كبشر عادي، يحب و يجد من يحبه تلك الرغبة التي تلاشت مع تقدم العمر، حلت مكانها رغبة في أن يأكل و يهضم.
جرائد تحتوي علي اعداد كبيرة لملحق الجمعة في الأهرام التي دأب علي شرائه لسنين طويلة حباً في ملحق القصة القصيرة. مجلات كثيرة متراصة في جانب الصندرة ، حفزته علي الإبتسام عندما تذكر صور النساء التي تحتويها، اهتم بشراء مجلات الرشاقة لفترة غير قصيرة، كان يتصفحهها و هو يأكل (التشيز برجر) و بطاطس ( الشيبسي) .
شعر يوماً بوخز في ضميره لإنه لا يستطيع أن يوقف خيالاته الجنسية تجاه الفتيات اللاتي في تلك المجلات ، فقرر التوقف عن شراء المزيد منها ، استبدلها ب (البيبسي) ذو الحجم العائلي.
لمح فانوساً كفوانيس رمضان بين الأوراق المبعثرة و الأحذية القديمة ، انتظر فيض الذكريات التي تنهال من تلقاء نفسها كلما وقع بصره علي شيء ما بالصندرة، لكنه اكتشف انه لا يتذكر هذا الفانوس مطلقاً، حاول اقناع نفسه ربما كان لأحد من إخوته عندما كان صغيراً لكن عقله ابي ان يقتنع بذلك.
ترك الفانوس و شأنه، ذهب إلى الثلاجة، تناول نصف زجاجة (الجافسكون) المضاد للحموضة.
– يبدوا أن الطرب و الموزة الضاني كانتا سمينتين.
هكذا تحدث لنفسه.
ذهب إلى غرفة النوم، لكن عقله لم يكف عن التفكير بالمصباح.
– تري ما حكاية هذا الفانوس؟ تساءل
– مش مهم، بكرة تفتكره…… أجاب
تذكر ميعاد برنامج الطبخ المفضل له، فتح التليفزيون، سقط في النوم جالساً أثناء المشاهدة، تعالي ضجيج شخيره ، حتي استيقظ علي حرقان شديد في صدره، ذهب لتناول النصف الآخر من زجاجة ( الجافسكون)
استراح قليلاً في المطبخ بعد عناء الرحلة، وجد نفسه مدفوعاً نحو الصندرة مرة أخرى.
مد يده ليلتقطه ، نهج قليلاً، تفحصه جيداً، كان فانوساً نحاسياً، عتيقاً كأنه كان مملوكاً لأحد الخلفاء في العصر الفاطمي، في قاعدته توجد نصف شمعة مطفئة محاطة بسياج من بقايا شموع ذائبة متعددة الألوان ، أعلاه حلقة فضية يحمل منها ، يمكنك تعليقه بسقف المنزل أو علي علاقة بالحائط منها إن أردت ذلك ايضاً .
بدا له فانوساً فخماً و عريقاً ، ربما يكون فانوس لأبيه أو أحد أجداده، وجه فمه تجاه الفانوس، نفخ فيه عده مرات ليزيل ما تراكم عليه من اتربة، ثم اخذ قطعة القماش المهترئة التي أمامه وراح يمسح الفانوس مثلما يفعل الصائغ مع جوهرة ثمينة.
كانت عليه نقوشاً مذهبة ، آيات كتبت بخط لم يره قبل ذلك ، لا يوجد به تنقيط أو علامات ترقيم .
وضع الفانوس علي المنضدة، اطفأ أنوار الغرفة، اشعل النصف المتبقي من الشمعة من باب التغيير.
تصاعد دخان كثيف جداً ملأ الغرفة، دخان جعله يظن أنه لم يشعل شمعة انما اشعل فرن بلدي، القمه قرصين من تلك الأقراص الكبيرة المصنوعة من روث البهائم.
بدأ الدخان يهدأ، ثم ظهر له في سقف المنزل آدمي، ذو جسم نحيل، شعر طويل و منسدل علي كتفيه كشعر النساء و بشرة داكنة كحبشي ، عاري إلا من سروال ضيق.
فرك فرغلي عينيه ليتأكد مما يراه، لكن الحقيقة صارت مؤكدة حين اقترب منه و ربت علي كتفيه ليطمئن .
– شبيك، لبيك، عبدك، بين ايدك، لك طلب واحد بس، ولما احققه لك تنساني و ترجع الفانوس مكانه وأوعك تجيب سيرة لحد علشان لو بوحت بالسر حينقلب الطلب عليك.
– أنت حتخم من أولها، المفروض ليا سبع طلبات، كل الأفلام العربي بتقول كدة.
– ههههههههه يا فرغلي، السبع طلبات لسبع أفراد مش لك لوحدك، متبقاش طماع، أبوك طلب من سكات و مات و لم يحكي السر لحد.
– بابا؟ طلب إيه بابا؟
– مبطلعش اسرار العملاء بتوعي
– بس ده ابويا و اكيد لولا انك حذرته كان حكي لي
– ممم مقنع برضه،بص هو طلب يتجوز امك بنت الحسب والنسب، كانت غنية و عمرها ما حتبص لواحد زي ابوك لولا السحر اللي خلاها تحبه و خلي ابوها يوافق مكنش عمره حيطول ضفرها .
جلس فرغلي يفكر تري ماذا يطلب، شم رائحة صواني الرقاق المحشية اللحم الضاني المفروم، تخيل حلة محشي ورق العنب تسكب أمامه، يتصاعد بخارها إلي أعلي و يتصاعد معه قلبه ، أصابع من محشي الكرنب ملفوفة بعناية، متساوية كأنهم صبوا في قالب تفوح منهم روائح الزبدة الفلاحي ، فتة بالخل والتوم، سمع طشت الملوخية بأذنيه و رأي طاجن العكاوي أمامه في نفس اللحظة يقدم له بابتسامة عريضة.
لكنه تراجع عن طلب تلك الوليمة ، قال لنفسه ربما كل هذا يستطيع أن يحققه، لو زار (أم مصطفى) بالبلد أو حتي ذهب إلي أقرب مسمط .
لابد أن يكون ذكياً كأبيه بطلب واحد حصل علي زوجة و مال و سعادة.
– عايز أخس واعمل فورمة زي بتاعت عمرو دياب
– مقدرش
-نعم؟ الأخ عفريت برضه ولا صبي قهوجي؟
– عفريت يسطا وبلاش غلط، بس الموضوع صعب، أنا ممكن ادلك علي طريقة تخس بيها، انما مقدرش انقلك من فيلم اكس لارج بتاعك ده لأغنية برج الحوت مرة واحدة كدة ، دي سنين طويلة قضاها فريق العمل في الجيم، أطنان من الأمينو و حقن الأنابولك اتبلبعت من أيام أغنية حمد الله على السلامة هلا يا هلا لحد انهاردة
فكر لبرهة، حدث نفسه ما الضرر؟
– طيب قشطة، اوصفلي دايت حلوة علي ذوقك بحيث أكل لحد ما أشبع، أكل لحمة سمينة زي ما أنا عايز، مجوعش ابدأ، مقعدتش افكر في الأكل أو أحس اني محروم، أخس عليها كل اسبوع علي الأقل بالميت اتنين تلاتة كيلو، كمان تخليني ابطل علاجات السكر والضغط، فوق كل ده لما اوصل للوزن المثالي مرجعش ازيد و ياريت تكون بترفع المود.
من الآخر عايز أخس من غير ما أحس.
قالها و هو ممسك بقبضة يديه علي جوانب بطنه المترهلة بكل بقوة.
– أنت كدة مش عايز دايت، أنت عايز مطبخ مستشفى دار الفؤاد.
– هو ده طلبي يا برنس
– بصراحة لازم استشير عفريت أكبر مني
فرك أصبع الخنصر مع البنصر فظهر آيفون اكس بين يديه.
-ألوا……. أيوة يا كهرمان، الحقني يا صاحبي ، واحد ولع الشمعة و بيقولي عايز يخس من غير ما يحس
– هههههههههههه، يخس من غير ما يحس، يبقي وقعت في واحد مصري.
ثم انفجر ضاحكاً
– أيوة يا سيدي مصري.
– ياعم طلبه بسيط ، هو مش عايز
ياكل لحد ما حيشبع، و ميشغلش باله بالأكل خالص؟
– آه
-كمان يخس اللي هو عايزه و ما يزيدش وزنه بعد ما يوصل للوزن المثالي؟
-آه
– فوق كل ده عايز مزاجه يتحسن و ياكل السمين اللي بيحبه؟
– أيوة يا سيدي، اخلص.
– قوله يعمل كيتوجينك دايت.
– بس كدة؟
– أومال أنت مفكر إيه؟ كل حاجة بالعلم والتجربة.
– طب الكربوهيدرات؟
– لو سألك عن الكربوهيدرات، حط ايدك على كتفه، بص في عنيه جامد و قوله بصوت فخيم
– فرغلي يا ابني (الcarb أساس كل كرب)
#تمت
https://www.facebook.com/groups/keto.code/permalink/206846846610956/
دمتم في رعاية الله وحفظه
حاج محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق